كلمة معالي وزير الصحة في المؤتمر العالمي لمواجهة مرضيّ السمنة والسكري في دول الخليج

07 محرم 1437

​بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أصحاب المعالي والسعادة السيدات والسادة.

ضيوفنا الأعزاء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اسمحوا لي في بداية هذه الكلمة أن أعبر عن سعادتي بوجودي معكم اليوم في هذا المؤتمر الدولي المهم، الذي يناقش قضيتيّ السمنة والسكري المترابطتين, واللتين تستفحلان في منطقتنا، وتستنزفان الكثير من الجهود الطبية والتكاليف المالية، التي يمكن أن تسخر في اتجاهات أخرى تحقق قيمًا طبية مضافة في مجالات البحث وتطوير الخدمات الصحية للمواطنين.

وأود أن أتقدم بالشكر الجزيل لكم؛ لتفضلكم بالمشاركة في النقاش ووضع الحلول لهذه القضايا الخطيرة والأكثر انتشارًا على المستوى الصحي في مجتمعاتنا الخليجية. كما أود أن أثمن جهود الشراكة الفاعلة، التي مكنتنا من عقد هذا المؤتمر، بين المؤسسات الحكومية ممثلة في وزارة الصحة, والمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ممثلة في الدكتور توفيق خوجة, ومؤسسات المجتمع المدني ممثلة في الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع الدكتور سعود الحسن، والمركز السعودي لمكافحة السكري.
هذه الجهود التي تقف وراء حسن الإعداد والتنظيم لجلسات المؤتمر ليتسنى - بإذن الله - عرض أفضل التجارب العلمية والعملية في جلساته، والمساعدة على تطوير البرامج الوقائية والعلاجية، وتعزيز الجهود المبذولة لمواجهة خطر انتشار السمنة ومرض السكري, والتقليل - ما أمكن - من عبئهما الاقتصادي.

الإخوة والأخوات.

لو عدنا إلى تقارير منظمة الصحة العالمية فسنجد من بين الحقائق التي ترصدها هذه التقارير أنه خلال ثلاثة عقود فقط زاد معدل انتشار السمنة في العالم إلى أكثر من الضعف! وأن مرض السكري مرشح ليكون السبب السابع للوفاة بحلول عام 2030م.

ومن الجدير بالذكر أن المساهم الأكبر في ارتفاع نسب هذين المرضين الخطرين على مستوى العالم، هي دول العالم النامي، إذ تبلغ هذه النسب في هذه الدول ضعف تلك النسب المرصودة في الدول المتقدمة. ويكفي أن نعلم أن نسبة الإصابة بمرض السكري في دول مجلس التعاون الخليجي راوحت بين 15 و20%.

ومن الأهمية بما كان أن أشير هنا إلى أن هذا الخطر لا يهدد الحياة البشرية فقط؛ بل يتعداها إلى تهديد موارد الدولة بما يشكله من عبء اقتصادي، حيث يشير تقرير الاقتصاد العالمي عن الأمراض غير السارية لعام 2011م إلى أن تكاليف معالجة داء السكري بلغت نحو 500 بليون دولار، ومن المتوقع أن تزداد إلى750 بليون دولار عام 2030م.
 
الحضور الكرام.

إن مجتمعنا الخليجي يقع في القلب من هذا الخطر، إذ لا يخفى عليكم أن مجتمعنا فتي جدًّا، فأعمار غالبية مواطنيه تقل عن 30 سنة. وبالتالي فإن هذين المرضين يهددان ثروة مجتمعنا الحقيقية المتمثلة في فئة الشباب. ومن المفزع والمحزن في الوقت نفسه أن تقع دول مجلس التعاون الخليجي الفتية ضمن المراكز العشرين الأولى عالميًّا في انتشار السمنة بين مواطنيها؛ الأمر الذي تربطه الدراسات والبحوث في هذا الشأن، وانتشار عدد من الأنماط الحياتية والسلوكيات الغذائية غير الصحية، وقلة النشاط البدني في مجتمعاتنا، والتي تؤدي بدورها إلى ازدياد مخاطر الإصابة بمرض السكري.

وعلى الرغم من الخطر المؤكد لهاتين المشكلتين، إلا أنني أود أن أذكر بأنهما لا تمثلان سوى قمة جبل الجليد لمشكلات ومخاطر صحية كثيرة تعانيها مجتمعاتنا؛ مما يحتم علينا العمل بفاعلية ضمن منظومة الصحة العامة.
وما من شك في أن الأمن الصحي هو أحد ركائز الأمن الوطني الذي تسعى دول مجلس التعاون الخليجي لأن يكون أحد أهم أهدافها الموحدة والمشتركة، وذلك من خلال المحافظة على سلامة وصحة شعوبها؛ لذلك كان لزامًا إحداث التغيير في الخطط والوسائل والآليات الرامية إلى رفع مستوى الوعي الصحي المجتمعي تجاه هذين المرضين، وتقليل فرص الإصابة بهما، والتحكم في مضاعفاتهما، بالإضافة إلى تفعيل المبادرات المشتركة بين كافة الوزارات والقطاعات العلمية والأكاديمية والجمعيات الأهلية لإحداث التغيير المنشود.

ولعلنا، في هذا الصدد، نستفيد من بعض التجارب الناجحة على المستوى الدولي، فعلى الرغم من التزايد المضطرد لأمراض السمنة والسكري عالميًّا، إلا أن هناك دولاً نجحت في تغيير اتجاه هذه الأمراض إلى مسارات إيجابية، فخلال الفترة ما بين السبعينيات والتسعينيات الميلادية من القرن الماضي، على سبيل المثال، استطاعت فنلندا تخفيض معدل الوفيات المتعلقة بأمراض القلب والسكري والسمنة بمعدل كبير وصل إلى 73%، من خلال برنامج تدخل مجتمعي، كانت فيه الشراكة بين المؤسسات الحكومية المختلفة وغير حكومية والمجتمع المدني، بالتعاون مع مزودي الخدمات الصحية العامل الأهم في نجاح هذه التجربة العالمية؛ حيث احتلت فنلندا المركز رقم واحد عالميًّا في عدد الوفيات نتيجة السكتة القلبية سابقًا، إلا أنها الآن تراجعت إلى المركز التاسع عشر، نتيجة تغيير السلوكيات.

كما يزيدنا فخرًا أن نسلط الضوء على التجارب الخليجية في دول مجلس التعاون الخليجي، ومن هذه التجارب، على سبيل المثال، تجربة مدينة نزوى في عمان ومدينة المحرق في البحرين اللتين سعتا للتصدي لمثل هذه المخاطر، ومكافحتها، وتعزيز أنماط الحياة الصحية.
 
أيها الحضور الكريم.

إن خطط مكافحة هذه الأمراض في دول مجلس التعاون الخليجي ينبغي أن تتجاوز علاجها إلى الوقاية منها، والعمل على تعزيز الأنماط الصحية بها، فالتقليل من الأمراض يكون بالتقليل من مسبباتها، ونحن كذلك بالمملكة نعمل من خلال منظومة متكاملة للصحة العامة بدأت مسيرتها، ولكن يجب مضاعفة العمل، وتكامل الجهود والمبادرات؛ لذا فإن أولويات السياسات الصحية في المملكة ستتحول تدريجيًّا من التركيز على العلاج إلى إعطاء الأولوية للوقاية؛ لذا فإن شعار الوزارة (المريض أولاً) سيتغير إلى (صحة المواطن أولاً)، وأقترح الليلة ترتيب برامجنا من خلال عدة محاور متكاملة, أذكر منها خمسة:

أولاً: تغيير أنماط المعيشة:
لا يخفى عليكم أن أنماط الحياة الاستهلاكية التي تواكب الوفرة المالية ووسائل الرفاهية في دول مجلس التعاون الخليجي هي أحد أهم العوامل المسببة لمرضيّ السمنة والسكري، بالإضافة إلى آثارها السلبية على الصحة العامة.

كما تشكل البيئة المحيطة دورًا مهمًا في تعزيز السلوك الصحي لدى الأفراد والمجتمعات؛ بل وتعد من أهم أركان تعزيز الصحة، ومن عناصرها المهمة الاهتمام بنوعية الغذاء، وتبني سياسات محددة لمراقبة تسويق المواد الغذائية، دون أن نغفل توفير الوسائل والمرافق التي تشجع المواطنين على ممارسة الرياضة والنشاط البدني لكافة الفئات، وأنا عندما أتحدث عن كافة الفئات، فأنا أقصد كافة الفئات بما في ذلك كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وفي التجربة الفنلندية مثال جيد، حيث تمكن المواطن الفنلندي من تغيير سلوكه الغذائي بعد اكتشافه أن الاعتماد الكبير على اللحوم والسمن الحيواني في غذائه جعل مرض انسداد الشرايين والسكتة القلبية القاتل الأول في فئات عمرية صغيرة دون الثلاثين.
 
ثانيًا: التنشئة السليمة والتعليم:
حيث يشكل البيت والأسرة الخليجية نواة أساسية مؤثرة في نمط الحياة واختيارات الأبناء التي دائمًا ما تكون مبنية على مراقبتهم سلوك ونمط حياة الوالدين ومحاكاة تصرفاتهما. ولا يخفى علينا كذلك دور الحاضنة المكملة وهي المدرسة، لتكون المحور الأساسي للوقاية من كافة الأمراض، وذلك بتبني ما يمكن أن نطلق عليه (المدارس المعززة للصحة)، عن طريق تعزيز المناهج الدراسية بالثقافة الصحية، وتكثيف البرامج التوعوية فيها، وتعزيز برامج التربية الرياضية، والغذاء المتوازن. والتي تهدف بالمجمل إلى تعزيز صحة التلاميذ، وتوعيتهم منذ مراحلهم الدراسية المبكرة، وتغيير أنماط الحياة الصحية لديهم، ودراسة الاحتياجات النفسية للمراهقين والناشئة، ومراقبة سلوكياتهم المحفوفة بالمخاطر والوقاية منها، وتعزيز برامج التربية الصحية والبيئية.

ولا بد أن أذكر هنا أيضًا تفرد مملكة فنلندا في مستوى التعليم، حيث تتصدر المركز الأول عالميًّا في مجال التعليم الذي بدوره انعكس جليًّا على مستوى الصحة العامة بها، والذي أشرت إليه سابقًا.
 
ثالثًا: التوعية والإعلام:
وإذا كانت الخطط التعليمية لها أهميتها - كما أشرت - فإن هناك دورًا بارزًا لا بد أن تلعبه وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي في توعية الأجيال الجديدة بشكل خاص، بالمخاطر الصحية وأنماط السلوك السلبية، والأثر الإيجابي للسلوكيات القويمة على صحة الإنسان والمجتمع، فربط الخطط الصحية والتعليمية والإعلامية بشكل قوي ومستدام، يشكل حجر الأساس لبناء مجتمع صحي واعٍ ومتعلم.

وعندما نتحدث عن فئة الشباب، فلا بد أن نسلط الضوء على ما يشكله الإعلام الجديد وتقنية المعلومات من دور فاعل وبارز للتصدي للكثير من المخاطر الصحية التي تواجهنا من خلال برامج التوعية الشاملة.
 
رابعًا: الشراكة الشاملة لكافة مؤسسات الدولة:
إن مكافحة هذه الأمراض يتطلب مشاركة فاعلة لجميع قطاعات ومؤسسات المجتمع، وعقد الشراكات الحقيقية طويلة المدى مع جمعيات المجتمع المدني والشركات الوطنية للوصول إلى مجتمع صحي خالٍ من الأمراض غير السارية.
 
وبما أن دول مجلس التعاون تشهد مستوى أعلى في وتيرة البناء في مجال المشاريع الطبية النوعية، وتشييد المراكز الطبية العالمية، فينبغي على وزارات الصحة في دول المجلس أن تسعى إلى خلق شراكات فاعلة مع مؤسسات القطاع الخاص في مجال الخدمات الطبية والصحية، وتعزيز الفرص الاستثمارية المتاحة والمتوقعة لدى قطاع الخدمات الطبية لتتعدى الطب المتقدم والمستشفيات المتكاملة إلى إنشاء وتجهيز مراكز الرعاية الصحية الأولية وخدمات الطب الوقائي، ليكون لها جميعًا دور فاعل في إعادة توجيه الأنماط السلوكية ذات العلاقة بالشؤون الصحية، والارتقاء بالوعي الصحي الوقائي. فانخراط الأفراد في برامج صحية وقائية يقلل من التكاليف والأعباء العلاجية، ويرفع وتيرة التحاق الأفراد بهذه البرامج؛ مما يشكل حالة من تكافؤ المصالح بين الفرد والمؤسسة والمجتمع. كما أود أن أكرر أن لمؤسسات المجتمع المدني دورًا أساسيًّا يجب تفعيله من خلال شراكات إستراتيجية.
 
خامسًا: البحوث والدراسات:
إن متخذ القرار في الأنظمة الصحية الناجحة يعتمد على الدليل قبل المضي قدمًا في اتخاذ قراره؛ مما يجعل للبحوث دورًا مهمًا في تطوير الخدمات الصحية، فأي نظام صحي لا يتخذ من البحوث أداة لتطويره يعد نظامًا صحيًّا عشوائيًّا ومتخبطًا. وهذا يقودنا للقول بأن إجراء البحوث، خصوصًا في أمور الصحة العامة لم يعد خيارًا وإنما واقعًا تفرضه الحاجة.

من هذا المنطلق أدعو الباحثين والدارسين في الجامعات ومراكز الأبحاث إلى أن يبذلوا ما بوسعهم لخدمة أوليات بلدهم والإسهام في حلها.

ونحن من جانبنا سنقوم بتوفير البيئة المناسبة بما يدعم هذا التوجه، حيث سنقوم بتسهيل وصول الدارسين إلى المعلومات الصحية، كما نعمل مع الشركاء من الجهات الحكومية الأخرى كمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لتوفير الدعم المالي المناسب بما يخدم أولوياتنا الصحية. وهذا يقودنا إلى أن إنشاء معهد صحي بحثي متخصص على غرار NIH الأمريكي أصبح ضرورة لتقدم الخدمات الصحية.
 
الحضور الكرام.

قبل أن أختم هذه الكلمة أكرر شكري وتقديري لكافة جهود المشاركين في هذا المؤتمر، وأتطلع، بحرص كبير، إلى نتائجه العلمية والعملية، لكي نتمكن من رفد الجهود المبذولة للتصدي لظاهرة السمنة ومرض السكري بمنظور شمولي وقائي يرتقي بالصحة العامة لمجتمعاتنا، ويؤسس لبرامج جديدة تتعاون فيها جميع النظم الصحية بدول المجلس؛ ولا بد من التأكيد على ضرورة رفع مستوى الوعي بأخطار هذين المرضين ليكون مطابقًا لتوجهاتنا الوقائية، بما فيها رسم السياسات الصحية المناسبة وسن القوانين المتعلقة بالصحة العامة، والوصول إلى أفضل التدابير الاحترازية للوقاية منهما، خصوصًا أن مضامين هذا المؤتمر تشكل بالنسبة لنا مناسبة لتشخيص الواقع، ووصف العلاج؛ لتصون مجتمعاتنا عافيتها على المستويين الفردي والوطني.
وختامًا أرفع أسمى عبارات الشكر والعرفان لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو ولي ولي العهد - حفظهم الله - على ما يقدمونه من دعم، وما يولونه من اهتمام بالقطاع الصحي، ومن ذلك تأكيدهم على دور وزارة الصحة من خلال التوجيه الملكي الذي صدر مؤخرًا، وعزز دور وزارة الصحة وبرامجها وخططها الطموحة للقطاع الصحي في المملكة، خصوصًا في مجال الصحة العامة؛ علمًا بأن التصدي لهذا التحدي الكبير هو مسؤولية وشراكة بين جميع القطاعات الحكومية الأخرى كوزارة التخطيط, ووزارة التعليم, ووزارة الثقافة والإعلام, ووزارة الشؤون البلدية والقروية، وغيرها من القطاعات ذات العلاقة.

وأخيرًا أتمنى للعلماء والخبراء والمختصين وجميع الحضور وكافة الجهات والمؤسسات الداعمة التوفيق والنجاح في هذا المؤتمر، والخروج بنتائج وتوصيات ترسم خارطة الطريق للتحكم في هذين المرضين ومخاطرهما على صحة الإنسان والمجتمع.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

آخر تعديل : 08 محرم 1437 هـ 11:33 ص
عدد القراءات :