في مشهد متسارع يجسّد طموح المملكة العربية السعودية لأن تكون مركزًا عالميًا في مجال الرعاية الصحية، يُعد "ملتقى الصحة العالمي" أحد أبرز ثمار دعم برنامج تحول القطاع الصحي المنبثق من رؤية 2030، في ميادين الصحة العامة والاستثمار الصحي. وقد نجحت وزارة الصحة في ترسيخ هذا الملتقى بوصفه واحدًا من أسرع الفعاليات الصحية نموًا عالميًا، وأكثرها جذبًا للمستثمرين، والخبرات، والعقول في هذا المجال الحيوي.
وقد مثّلت النسختان الأخيرتان من الملتقى في عامي 2023 و2024 مرحلة مفصلية في تعزيز التحول الإستراتيجي لمنظومة الصحة السعودية، عبر تأسيس منصة تفاعلية رفيعة المستوى. وبفضل ما شهده الملتقى من شراكات نوعية، وتوقيع عشرات الاتفاقيات في مجالات الأدوية، والتقنيات الحيوية، وتوطين الصناعات الصحية، أصبحت الرياض نقطة جذب استثمارية دولية لصنّاع القرار في القطاع الصحي، وشركات التقنية، والمستثمرين المحليين، والدوليين.
وشهدت النسختان الماضيتان نموًا استثنائيًا على صعيد الحضور والمخرجات الاستثمارية؛ حيث تجاوز عدد الزوار في نسخة 2024 فقط أكثر من 105 آلاف زائر، بنسبة حضور دولي بلغت 72%، عبر أكثر من 13,500 رحلة جوية. كما جمعت النسختان أكثر من 605 متحدثين من الخبراء وصنّاع القرار، إلى جانب مشاركة 1,540 شركة وعلامة تجارية من أكثر من 70 دولة، وبحضور أكثر من 1000 مستثمر و60 شركة ناشئة.
وتجاوزت قيمة الصفقات والاستثمارات المُعلنة خلال الملتقى 50 مليار ريال سعودي، وشملت اتفاقيات نوعية في مجالات توطين الصناعات الدوائية، وتطوير الخدمات الصحية، وتوسعة البنية التحتية للمستشفيات، والتحول الرقمي. ومن أبرز هذه الاتفاقيات، شراكات إستراتيجية لتوطين إنتاج الأنسولين بالتعاون مع شركة نوبكو وشركات عالمية مثل سانوفي ونوفو نورديسك، إضافة إلى استحواذات كبرى نفذتها مجموعات صحية سعودية في مختلف مناطق المملكة.
واستضافت نسخة 2024، التي أقيمت في مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات – ملهم، خمس منصات رئيسية متخصصة، شملت: قمة القادة، منتدى التميز الطبي، منتدى الصحة الرقمية، إلى جانب عشرات ورش العمل وبرامج التعليم الطبي، ما يعكس الزخم المتنامي للملتقى كمنصة إستراتيجية لتكامل الرؤية الصحية والاستثمارية للمملكة.
أما النسخة السادسة التي أُقيمت في أكتوبر 2023، فحملت شعار "استثمر في الصحة"، وشهدت سلسلة مؤتمرات نوعية ركزت على محاور الرعاية الوقائية، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات الحيوية، وقدمت أكثر من 30 ساعة تعليم طبي مستمر، و8 مسارات علمية متخصصة، كما شهدت تدشين منصة “نفيس” لتعزيز الكفاءة التشغيلية في النظام الصحي.
وقد نال زخم نسخة 2024 إعجاب المتخصصين محليًا ودوليًا، وتوج بإشادة مجلس الوزراء السعودي، حيث عبّر معالي وزير الصحة الأستاذ فهد بن عبد الرحمن الجلاجل عن اعتزازه وتقديره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظهما الله – على ما يقدمانه من دعم سخي لإنجاح هذا الحدث العالمي، الذي يُجسّد مسيرة التحول الوطني في قطاع الصحة كأحد ركائز رؤية 2030.
ويستعد القطاع الصحي، تحت رعاية وزارة الصحة، لاستضافة النسخة الثامنة من ملتقى الصحة العالمي، وذلك خلال الفترة من 27 إلى 30 أكتوبر 2025، في مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات، وسط تطلعات بأن تكون النسخة الأضخم من حيث عدد الزوار، ومجالات التعاون، والاستثمارات الدولية.
ويحمل شعار النسخة القادمة "استثمر في الصحة" أبعادًا تتجاوز العنوان، ليكون دعوة وطنية وعالمية لتحويل الرعاية الصحية من مجرد خدمة إلى منصة اقتصادية، وبنية تنموية، ومجال تنافسي عالمي.
وسيتواصل دور الملتقى في تحفيز الاستثمار في القطاع الصحي كأولوية تنموية، لاسيما في ظل التوسع المنتظر في مبادرات نوعية مثل السياحة العلاجية، والصناعات الدوائية، والحلول الرقمية. كما يُرتقب أن يفتح الملتقى فرصًا جديدة لتعزيز مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي، والتي يُتوقع أن تتجاوز 145 مليار ريال بحلول عام 2030.
وفي ظل الحضور الواسع لقادة الصحة، والمستثمرين، والمبتكرين، ومنصات الحوار العالمية، تُعد النسخة المقبلة من ملتقى الصحة العالمي فرصة إستراتيجية لمواصلة سرد قصة التحول الصحي السعودي، التي باتت ملهمة لدول العالم، ومقصدًا للنمو، ومنصة لإعادة تعريف مفاهيم الصحة والتنمية.