أخبار الوزارة

كلمة معالي وزير الصحة ورئيس مجلس إدارة أرامكو السعودية المهندس خالد الفالح في المؤتمر الوطني الخامس للجودة
01 محرم 1437
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب السمو والمعالي
الضيوف الكرام
السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه
أود في بداية هذه الكلمة أن أعبر عن سروري بلقائي بكم اليوم، كما أتوجهَ بجزيل الشكرِ والامتنانِ لأخي الدكتور سعد القصبي، وفريقه في الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة لجهودهم في التنظيمِ والإعداد الجيد لهذا المؤتمرِ على الصعيد الوطني.
 
لقد حمل هذا المؤتمر  المهم شعار "الجودة: خيارٌ استراتيجيٌ لتحقيقِ الاستدامةِ وتعزيز المنافسة".  ومع أني أتفق مع ما يوحي به هذا الشعار في كثير من الأمور، إلا أني لا أعتبر الجودة خيارًا استراتيجيًّا فحسب، بل هي "ضرورة وطنية ملحّة".
 
وعلى الصعيد الشخصي؛ فمن منّا لا يبحث عن الجودة في كل ما يسعى له؟ وعلى المستوى المهني فلطالما سعيتُ مع زملائي للتقيّد بمعايير الجودة في كل مهمَّة كُلّفنا بها، والواقع أنَّ عالم القرن الـ21 هو أشبه ما يكون بحلبة سباق كبرى، عالمٌ يتسم بالضغوط الكبيرة، وبالفرص المبتكرة، وبسرعة الإيقاع والتعقيد، ولا شك في أنَّ ما يُعتبر سقفًا لمعايير الجودة يطمح اليه المتنافسون بالأمس لا يكفي اليوم كحدّ أدنى للاستمرار، فما بالك في التفوق للغد. هذا فيما نلاحظ ذوبان الفواصل وتداخل التأثيرات بين ما هو تجاري ووطني وإقليمي وعالمي. فالقطاع الخاص والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، وحتى المؤسسات غير الربحية، تتنافس مع بعضها البعض حتى وأن بنت جسور التعاون فيما بينها، وكذلك تتنافس الدول مع بعضها البعض من أجل الريادة ولتكون ضمن القوى الكبرى المؤثرة في قيادة مستقبل العالم، بل إنَّ التنافس يمتد ليشمل الأجهزة المختلفة داخل الدولة الواحدة، فعلى سبيل المثال؛ نطمح أنا وزملائي لتقدّم وزارة الصحة أجود الخدمات ولتكون رائدةً بين الوزارات في المملكة.
 
وإذا نظرنا للمملكة من منظور التنافسية العالمية، سنتفق على أننا بحاجة لرفع وتيرة التنمية للانتقال من مرحلة اقتصاد يعتمد على وفرة الثروات الطبيعية إلى مرحلة اقتصاد يعتمد على الكفاءة في الإنتاج والخدمات؛ ليصل إلى مرحلة الاقتصاد المتنوّع والمنافس عالميًّا والقائم على الابتكار والإبداع. ولتحقيق ذلك فنحن بحاجة إلى تحسينِ الكفاءة والقدرة التنافسيةِ لمؤسساتِنا في القطاعين العام والخاص، عملًا بالرؤية الملكية السامية لمشروع الاستراتيجية الوطنية للجودة في "أن تكون المملكة بمنتجاتها وخدماتها معيارًا عالميًّا للجودة والإتقان في عام 2020".
 
وبحكم عضويتي في مجلس الوزراء، وفي مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، الذي يعتبر الأول من نوعه في تاريخ المملكة، أدرك أن حكومة المملكة العربية السعودية بإلهامٍ من سيدي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، تعمل ليلًا ونهارًا كي تتحقق التحولات التنموية المنشودة، وتكون بلادنا السعودية الأفضل في كل شيء، ونموذجًا من نماذج الريادة في القرن الـ21. فإذا ما أردنا للاقتصاد السعودي أن تتنوَّعَ مصادرُهُ، ونستحدث الوظائف النوعية ونحقق لمؤسساتِنا الوطنية الانتشار والنجاح، فيجبُ على كلّ منا، في القطاع الذي يعمل فيه، أن يرفعَ سقفَ الطموحاتِ إلى آفاقٍ أعلى.
 
أعزائي الحضور
أرى أن سعينا نحو النجاح وتحقيق أهداف الجودة يبدأ عندما نغيّر نظرتنا للجودة على أنها نظام قائم بذاته. فبنظري ينبغي النظر للجودة على أنها عنصرٌ واحدٌ ضمن عدة عناصر مؤثَّرة أخرى في عمليةٍ متكاملة لتحقيق منظومة "التميُّزِ المستدام." و"التميُّز"، أيها الاخوة، مفهوم أشمل من "الجودة"؛ فعندما نسعى لتحقيق "الجودة" فإننا نتقيُّدِ بمجموعةٍ محددةٍ من المعايير والمواصفات التي تضعها الجهات المشرعة. بينما مفهوم " التميُّز" يذهب إلى ما هو أبعدُ من مجرَّدِ التقيد بالإجراءاتِ والمعايير، ويهدف لإنجاز الأهدافِ الصعبةِ والطموحة والجريئة التي نضعُها لأنفسِنا ومؤسساتنا؛ ولذلك كان عبر التاريخ صفةً ملازمةً للأفراد والمؤسسات والدول الناجحة ذات القدرة التنافسية العالية والمستدامة مع متغيرات الزمان والمكان. فإذا كانتِ "الجودةُ" تعني أننا جيدون بما فيه الكفاية، فإنَّ "التميُّزَ" يعني ألا نكتفي بذلك، وأن نسعى باستمرار لتخطّي سقف التوقعات.
 
الأخوة والأخوات
إذا اتفقتم معي أنَّ مفهوم "التميُّز المستدام" يُعتبر ضرورةً وطنيةً ملحة، فما هي خارطة الطريق التي يمكن أن تؤدي بنا لتحقيقِه؟ في رأيي أن هناك خمسة عناصرَ أساسية متكاملة تحدد ملامح خارطة الطريق نحو منظومة "التميُّز المستدام،" وهي:
أولًا، تطبيق معايير الجودة النوعية،
ثانيًّا، بناء القدرات المؤسسية،
ثالثًا، إذكاء روح الطموح،
رابعًا، الالتزام الصارم بالقيم وأخلاقياتُ العمل،
وخامسًا، تطبيق نظام الحوكمة.
وقبل أن أخوض بالتفصيل في عناصر "منظومة التميز المستدام" أود أن أذكر قصة من تجربةُ قطاع صناعة السيارات الأمريكي. هذه القصة تبين أنه بدون وجود منظومة راعيةٍ للتميُّز المستدام، تفشل أنظمة إدارة الجودة بذاتها في ضمان استدامة المؤسسة ونجاحها.
 
في سبعينيات القرن الميلاديِّ الماضي، فقدت السيارات الأمريكية البريقَ الذي تميزت به، فيما تفوّق صناعُ السيارات اليابانية، التي كان يُنظر إليها على أنها من الدرجة الثانية والثالثة. 
 
والمفارقة أن اليابانيين أخذوا روح الجودة التي وضعها روّادٌ أمريكيون ولم ينقلوا عنهم معايير صناعة السيارات الأمريكية تحديدًا. وكان ومن أبرز هؤلاء الروّاد ويليام ديمنق الذي أثر في قطاع الصناعة الياباني أكثر من تأثيره في بلاده الأم! ففي العام 1950م دعته نقابة علماء ومهندسي اليابان ليقدم دورةً في مؤتمر عن الجودة، التي كانت شبه غائبة في يابان ما بعد الحرب العالمية الثانية. وكان لتلك الدورة تأثير كبير جدًّا، فخلال سنوات تحقق ما يشبه المعجزة الصناعية في اليابان.
 
ونجحت اليابان في السبعينيات بتنافسية منتجاتها لتكتسح الأسواق العالمية، وغيرت الصورة الذهنية النمطية السلبية. واليابان هي اليوم مقرٌّ لأهم جائزة في العالم في مجال الجودة، "جائزة ديمنق".
 
ولكن ما الذي صنع الفرق بين شركات السيارات الأمريكية ونظيراتها اليابانية؟  الشركات الأمريكية هي التي أسست معايير الجودة، ولكنها عندما توقفت عن السعي نحو تحقيق التميُّز ضعفت البيئة الراعية للجودة، حيث اكتفت بتطبيق المعايير وتراجعت الجودة.  وبالمقابل، أسهم سعي اليابانيين نحو التميُّز في إجراء تحسينات مستمرة، وأصبحت عبارة "صنع في اليابان" مرادفةً للتميُّز في كلِّ شيء.
 
ومن الطريف أنه في مطلع الثمانينيات، بعد تعرضها لخسائر ببلايين الدولارات، دعت شركة فورد الأمريكية الدكتور ديمنق كي تستفيد من إرشاداته في الجودة. عندها فاجأ ديمنق إدارة شركة فورد بأنه لم يتحدث عن جودة التصنيع أو الالتزام بالمعايير بل تحدث عن نوعية الإدارة في شركة فورد وعن ثقافة العمل السائدة وعن الطريقة التي يعمل بها مديروها.  وقد أخبرهم أن قراراتهم تشكل ما نسبته 85% من سببِ فشل الشركة في تطوير سيارات أفضل. وصرح بعد ذلك رئيس مجلس إدارة فورد أنَّ الشركة ماضية في تطوير ثقافة العمل لديها نحو الجودة، وخلال 5 سنوات تمكنت فورد من تطوير خط جديد من السيارات، وأصبحت الأكثر ربحية بين الشركات الأمريكية، وما زالت الى الآن؛ وذلك لأنها انتقلت من مفهوم ضيّق للجودة إلى الإطار الأشمل لزرع التميُّز في الشركة.
 
عناصر منظومة التميز المستدام
أعزائي الحضور
أعود الآن للحديث عن عناصر منظومة التميز المستمر. ولكن لن أتحدث عن العنصر الأول، وهو الجودة النوعية من حيث التقيد بالمواصفات والمقاييس، فهناك الكثير من المتحدثين في المؤتمر سيتناولون هذا الموضوع المهم.
 
سأبدأ بالعنصر الثاني في منظومة "التميُّز المستدام" وهو بناء القدرات المؤسسية وأقصد بها مثلث الموارد البشرية، والتطوير التقني، والابتكار. هذا العنصر من أهم عناصر التنافسية، خاصة وأن العالم يعيش عصر المعرفة، الذي يعتمد بشكل أقل على الموارد الطبيعية، وبشكل أكبر على الطاقات العقلية والتقنية والابتكارية.
 
وبشكل عام، تحتاج المؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء إلى مضاعفة الاستثمار في هذا المثلث، فالمملكة حسب تقرير التنافسية العالمي تحتل المرتبة 60 من بين 144 دولة من حيث تدريب الموظفين، والمرتبة 38 من حيث توفر آخر المستجدات التقنية، والمرتبة 44 من حيث براءات الاختراع، بينما ما زال التعليم دون الطموح.
 
والآن أنتقل إلى العنصر الثالث في منظومة (التميز المستدام)، وهو عنصر (الطموح)، الذي يمدنا بالقوة الداخلية المحفزة لقهر التحديات الصعبة وتحقيق التميز.
 
والطموح يتطلب فريق قيادة جريء، لا يعرف المستحيل. فريق يتحدى نفسه باستمرار، ويكون هاجسه التميز المؤسسي على كافة المستويات الإدارية، ويتسم بالتفاني، والانتماء العميق، والشعور بالملكية الشخصية لرؤية المؤسسة وإستراتيجياتها؛ وذلك من أجل تسخير المهارات الفردية والجماعية، واستغلال كل جزئية من قدراتنا ومواهبنا لتحقيق إنجازات تتجاوز سقف التوقعات، وتلامس أجمل الأحلام، وتحولها إلى واقع.
 
ويؤدي أحيانًا انخفاض عنصر الطموح، وركون المؤسسات إلى مصادر قوتها التقليدية إلى نتائج كارثية. وهنا تبرز لنا تجربة شركة (كوداك) مع تقنية التصوير الرقمي، فشركة (كوداك) كانت تتربع بلا منافس على عرش تصنيع أفلام التصوير منذ بدايات القرن العشرين. وفي العام 1975م، اخترع مهندس شاب يعمل في (كوداك) نموذجًا لكاميرا تعمل بالتصوير الرقمي، ولكن إدارة الشركة لم تتعامل بجدية مع ذلك الابتكار، وربما لم تُظهر التقدير لذلك المهندس الشاب، إذ قالت له إن اختراعك (لطيف) cute، ولكن لا تخبر أي أحد عنه، وكانت كوداك في قمة مجدها؛ إذ كانت تبيع 90% من الأفلام المستخدمة في الولايات المتحدة. وفي المقابل، اقتنصت شركات مثل سوني وكانون الفرصة لتطوير كاميرات التصوير الرقمي، ومن ثَمَّ لحقتها الهواتف الذكية، مما جعل أفلام التصوير تنقرض.
 
لم تُظهر (كوداك) القدر الكافي من الطموح لتحدي نفسها، وتمحيص تصوراتها، فأصابها نجاحها بقناعة الاستمرار في نفس الاتجاه، وبدلاً من أن تطمح لتحقيق التميز في مجال جديد كالتصوير الرقمي، ركنت إلى مجدها؛ مما أدى إلى نتائج كارثية.
وهنا أود الإشارة إلى نجاح رحلة التحول الإستراتيجي التي بدأتها (أرامكو) السعودية في العام 2011م. كنت قد تسلمت قيادة الشركة وهي في القمة، تحتل المرتبة الأولى على مدى عشرين سنة كشركة بترول حسب التصنيفات التي تصدرها جهات عالمية متخصصة. كان التحدي الذي طورناه مع الزملاء في فريق القيادة بالشركة هو: كيف نتفوق على أنفسنا كشركة عملاقة ناجحة لنتجاوز سقف التوقعات آنذاك، بما يخدم استدامة الشركة على المدى البعيد واستدامة دورها في التنمية الوطنية؟
 
كنت أخشى أن تجد (أرامكو) السعودية نفسها في نفس مأزق الشركة العملاقة (كوداك). وبحمد الله، تمكن فريق العمل في (أرامكو) السعودية من تجاوز سقف التوقعات الحالية، والانتقال من قمة رفيعة إلى قمم أعلى، وآفاق أرحب؛ حيث نما حجم الشركة بدخول مجالات عمل نوعية وعملاقة، وتضاعفت قدراتها، وتنوعت مصادر دخلها وإسهاماتها في التنمية الوطنية، كما ازداد عمقها النوعي من حيث التطوير التقني، والابتكار، والموارد البشرية، وخاصة إسهامات جيل الشباب. لقد بدأت (أرامكو) السعودية تتحول بشكل ديناميكي من أكبر شركة للبترول إلى الشركة العالمية الأولى في مجال الطاقة والكيميائيات الأشمل والأوسع، وداعم أكبر من ذي قبل في التنمية الوطنية، والابتكار، وتوليد الوظائف وتنويع مصادر الدخل.
والآن أنتقل إلى العنصر الرابع في طريق (التميز المستدام)، وهو عنصر الالتزام الصارم بالقيم وأخلاقيات العمل، وعلى رأسها النزاهة، والكل يدرك ما تبذله الدولة نحو مكافحة الفساد. وقد يبدو من الغريب التحدث عن هذا العنصر في مؤتمر للجودة. فأخلاقيات العمل والنزاهة معايير سلوكية؛ ولكن التزام المؤسسة بمعايير الجودة دون الالتزام بالمعايير الأخلاقية يؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى وقوع كارثة. وعند الحديث عن القيم، فإننا نتعدى النزاهة إلى (الاحترام)، وهو ما يحكم العلاقة ليس فقط مع الزبائن والمستفيدين من الخدمة؛ بل أيضًا مع الشركاء والموظفين والمساهمين؛ بل وحتى الشركات المنافسة، فالاحترام هو حجر الزاوية لبناء الثقة بين الأفراد والمؤسسات. والفكرة هنا بسيطة جدًّا، إذا انعدم الاحترام انعدمت الثقة، وإذا انعدمت الثقة انعدم التعاون والتكامل الذي يعد ضروريًّا لتحقيق (الجودة) و(التميز). وسلوك الاحترام يمتد إلى المجتمع ككل، واحترام البيئة الطبيعية التي نعيش فيها، واحترام الناس ليس في الحاضر وحسب، وإنما حقوق الأجيال القادمة؛ مما يرسخ الالتزام بقيمة المواطنة والمسؤولية المجتمعية، وهو أمر يعد من سمات (الجودة) في المؤسسات (المتميزة).
وكمثال على ما يمكن أن يحدث حين تغيب القيم، خصوصًا الاحترام، لا أجد أفضل مما تتناقله وسائل الإعلام هذه الأيام حول شركة (فولكس فاجن) العريقة، فالشركة تجاوزت شركة (تويوتا) لتكون أكبر مصنِّع للسيارات في العالم، وكان المستهلكون حول العالم على أتم الاستعداد لدفع مبالغ إضافية لشراء منتجات (فولكس فاجن)؛ بسبب قوة علامتها التجارية وسمعتها، فإلى جانب شراء السيارة، كان العملاء يشترون، أيضًا، علامة تجارية تعد ضمانًا للجودة ووعدًا بالتميز.
ولكن الآن أصبحت هذه السمعة في أزمة. لقد فقد سعر سهم (فولكس فاجن) ما يزيد على ثلث قيمته السوقية، أي عشرات البلايين من الدولارات، في الوقت الذي تواجه فيه الشركة قضايا قانونية حول العالم، وكل ذلك بسبب برامج خادعة ركبتها الشركة في السيارات التي تعمل بالديزل لجعلها تبدو أنظف للبيئة من واقعها. والحقيقة أن التاريخ مليء بشركات تلاشت تمامًا بسبب افتقارها إلى الحوكمة، وما (إنرون) إلا مثال شهير على ذلك.
وهذا ينقلني إلى العنصر الخامس والأخير في خارطة الطريق لتحقيق (التميز المستدام)، ألا وهو عنصر (الحوكمة)، حيث لا يمكن تحقيق (الجودة) و(التميز) في غياب نظام حوكمة سليم، يتضمن ضوابط وتوازنات، وتفويض بالصلاحيات، وإجراء التدقيق والتحقق من الأداء. فلا يكفي أن تتوافر في المؤسسات إدارة حكيمة وقيادة ملهمة، وفريق عمل موهوب؛ بل يجب على المنشأة أن تعمل من خلال نظام حوكمة متين وهيكل سليم، يصمد أمام الضغوط والتوترات، بما يكفل عدم التفريط في المعايير تحت أي ذريعة، بما في ذلك ضغوط الوقت والتكلفة ومطالبة الملاك بزيادة الأرباح. ونتيجة لذلك، كل شركة أو مؤسسة خاصة أو شبه حكومية تحتاج إلى نظام حوكمة قوي خاص بها؛ إذ لا يوجد نظام حوكمة واحد يناسب جميع المؤسسات.
 
أيها الضيوف الكرام
باستعراض هذه الأمثلة، يتضح لنا ضرورة تحقيق منظومة التميز المستدام في كافة مؤسساتنا في المملكة، وأنه لن يكفي مجرد تطبيق نظام لإدارة الجودة. ومن أجل بناء هذه المنظومة، يجب علينا أن نبني قدراتنا المؤسسية، ونتمسك بأعلى معايير أخلاقيات العمل والنزاهة والاحترام، وأن نغذي الطموح الأخلاقي في سلوكياتنا، وأن نضع نظام حوكمة قويًّا وصارمًا في مؤسساتنا وشركاتنا.
 
وقبل أن أختم، أود أن أتحدث عن طموحاتنا للقطاع الصحي في المملكة، الذي يواجه تحديات كبيرة، ولكنه يمتلك في الوقت نفسه العديد من المزايا التي تكفل له النجاح والريادة العالمية، فالقطاع الصحي السعودي منظومة كبيرة بها عدة مدن طبية، ومئات المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية في مختلف المدن والقرى لملايين المستفيدين سنويًّا، ونعمل الآن على تعزيز منظومة الجودة للخدمات الصحية داخل الوزارة وفي جميع القطاعات الصحية الأخرى، فلدينا المركز السعودي لاعتماد المنشآت الصحية، الذي يهدف إلى رفع مستوى جودة الخدمات الصحية، كما أن لدينا نماذج للجودة بمستوى عالمي نفتخر بها مثل مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض الذي أصبح حاضنًا لكثير من المنجزات الرائعة.
 
ونعمل في الوزارة الآن على تطوير إستراتيجية بعيدة المدى سيكون التميز ركيزتها، والمؤشرات واعدة جدًّا إذا نظرنا إلى سوق الخدمات الصحية واتجاهات العرض والطلب من منظور وطني شامل، ونأمل أن يلمس المواطنون خلال السنوات المقبلة قفزة نوعية واضحة في هذا القطاع الحيوي، مبنية على قدرات وطنية تبعث على الفخر.
 
أختم كلمتي بأن بناء منظومة التميز المستدام من أجل الفوز بالتنافسية لمؤسساتنا وقطاعات الدولة المختلفة، وبناء مستقبل مشرق للوطن، يتوافق مع التعاليم الراسخة لديننا الحنيف الذي حض على الإحسان في كل شيء. وعلينا أن نسترشد دومًا بما قاله الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه). كما يجب علينا أن نحافظ على إذكاء الطموح، ونزيد الرغبة لتحقيق الإنجازات والنجاحات التي ترضي الله وتنفع الناس، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 



آخر تعديل : 02 محرم 1437 هـ 08:31 ص
عدد القراءات :